الأحد, 1 يونيو 2025

دراسة لـ”تريندز” حول تغيرات المناخ ومستقبل الغذاء

يوليو 18, 2022

يواصل كوكب الأرض اختبار قدرتنا على التكيف مع التحديات المتزايدة التي يواجهها، لاسيما في ظل تحولاته المناخية العميقة التي تهدد الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في العالم. رغم ما تحقق من تقدم في العديد من القضايا العالمية، يبقى تغير المناخ أبرز الأزمات التي تستدعي تكاتف الجهود الدولية والابتكار العلمي لمواجهتها.

تغير المناخ ليس مجرد ظاهرة بيئية، بل هو تهديد خطير للأمن الغذائي العالمي. التحولات المناخية تساهم في ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة تواتر الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف، وارتفاع مستويات سطح البحر، ما يعرض الإنتاج الزراعي، وخاصة المحاصيل الغذائية، للخطر. حسب تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية بين 2.6 إلى 4.8 درجة مئوية بحلول عام 2100، مما يعزز من احتمالات حدوث موجات حرارية وجفاف طويل الأمد في مناطق كثيرة.

تأثيرات تغير المناخ على الزراعة والمحاصيل الزراعية قد تبدو واضحة؛ ففي السنوات الأخيرة، تم رصد تدهور كبير في المحاصيل الزراعية في مناطق عدة نتيجة لتغيرات الطقس المتطرفة، مما أدى إلى انخفاض المعروض وارتفاع الأسعار. وليس هذا فحسب، بل تتأثر أيضا صناعة الأسماك، خاصة في المناطق المدارية، حيث من المتوقع انخفاض إنتاج الأسماك بنسبة تصل إلى 60%، مما يزيد من تعقيد الأزمة الغذائية العالمية.

ركائز الأمن الغذائي وتأثيرات تغير المناخ
يعد الأمن الغذائي العالمي مسألة معقدة تتكون من أربع ركائز رئيسية: التوافر، الوصول، الاستخدام، والاستقرار. وللأسف، فإن تغير المناخ يهدد جميع هذه الركائز، ما يزيد من تعقيد القضية.

  • التوافر: يشير إلى مدى توفر الغذاء الكافي لتلبية احتياجات السكان. يواجه المزارعون تحديات متزايدة في مواجهة تغيرات المناخ التي تؤثر على إنتاج المحاصيل الأساسية، مثل القمح والذرة والأرز.
  • الوصول: يعنى بقدرة الأفراد على الحصول على غذاء مغذي من خلال القوة الشرائية أو القدرة على الإنتاج الذاتي. مع تغير المناخ، تزداد أسعار المواد الغذائية، مما يجعلها في متناول فئة محدودة من الناس فقط.
  • الاستخدام: يرتبط بجودة الغذاء وخصائصه الغذائية. يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض جودة بعض المحاصيل الزراعية، مثل القمح والأرز، مما يؤثر على القيمة الغذائية للغذاء.
  • الاستقرار: يعنى بقدرة الأفراد على الحصول على الغذاء بشكل مستمر ودون انقطاع. الفيضانات والجفاف المتكرر يهددان استقرار الإنتاج الزراعي، ويزيدان من التقلبات في أسواق الغذاء العالمية.

أحد الآثار الجانبية لتغير المناخ هو زيادة معدل الجوع وسوء التغذية في بعض المناطق، حيث تشير التقارير إلى أن حوالي 800 مليون شخص يعانون من الجوع حول العالم، بينما يعاني مئات الملايين من نقص التغذية.

تغير المناخ وأسعار الغذاء وإنتاجه
التوقعات المستقبلية تشير إلى أن أسعار العديد من المحاصيل الغذائية سترتفع بشكل كبير بسبب تغير المناخ. ففي دراسة أعدتها منظمة “أوكسفام”، يُتوقع أن ترتفع أسعار الذرة بنسبة 177%، والقمح بنسبة 120%، والأرز بنسبة 117% بحلول عام 2030. كما أظهرت نماذج دراسات أخرى زيادة محتملة بنسبة 1-29% في أسعار الحبوب بحلول عام 2050، مما يؤثر بشكل كبير على الأسر ذات الدخل المنخفض.

أما فيما يتعلق بالإنتاج، فإن تغير المناخ سيؤثر بشكل مباشر على قدرة الأنظمة الزراعية على توفير المحاصيل الأساسية. يتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تقلص بعض الأراضي الزراعية، خاصة في المناطق الجافة، بينما يهدد الطقس المتطرف بزيادة أضرار الفيضانات والجفاف على الأراضي الزراعية.

البحث العلمي والحلول المستقبلية
إن التحديات التي يفرضها تغير المناخ تتطلب استجابات علمية مبتكرة. فقد أظهرت بعض الدراسات إمكانية تحسين الإنتاج الغذائي مع تقليل مدخلات الإنتاج، مثل المياه والأسمدة، مما يشير إلى أهمية البحث والتطوير في مجال الزراعة. على سبيل المثال، يمكن للابتكارات الزراعية، مثل تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والملوحة، أن تلعب دورًا حاسمًا في الحد من التأثيرات السلبية لتغير المناخ.

كما تم تطوير تقنيات جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة الأحوال الجوية، مما يساعد المزارعين في التنبؤ بتغيرات المناخ واتخاذ تدابير وقائية لحماية المحاصيل. على سبيل المثال، في بعض الدول الأفريقية، تم تركيب محطات أرصاد جوية على أبراج الهواتف المحمولة لتزويد المزارعين في المناطق النائية بمعلومات دقيقة حول التغيرات المناخية.

إن تغير المناخ يشكل تهديدًا متزايدًا للأمن الغذائي العالمي، وقد يؤدي إلى تدهور الركائز الأساسية للأمن الغذائي: التوافر، الوصول، الاستخدام، والاستقرار. وعلى الرغم من الصعوبات، إلا أن هناك فرصًا كبيرة للاستجابة لهذه التحديات عبر تعزيز البحث العلمي، وتطوير التقنيات الزراعية المستدامة، وزيادة التعاون الدولي. لكن، لا بد من تكثيف الجهود والعمل على وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ لضمان التكيف مع التغيرات المناخية وحماية الأمن الغذائي على المدى الطويل.

الوقت قد حان لاتخاذ خطوات حاسمة نحو الحد من تداعيات تغير المناخ على الأمن الغذائي. على المستوى الدولي والمحلي، يجب أن تركز السياسات على التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لتعزيز القدرات البحثية والتكنولوجية، وتوفير دعم أكبر للدول النامية التي تواجه أكبر التحديات في هذا المجال.